• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

علاقة الأب بولده الكبير

علاقة الأب بولده الكبير

إنّ أثمن ما يمكن أن يُقدّمه الأب (سواء أكان تقليدياً عادياً أم كان زوج الأُم) لطفله البالغ، هو تخصيص وقت له.

إنّ الوقت الذي يُمضيه الأب مع أطفاله، هو في نظرهم أهم بكثير من أي لعبة "بلاي ستيشن" أو أي شيء آخر يمكن أن يشتريه لهم، مهما بلغت قيمته. في ما يلي، نقدم بعض الطرق البارعة والخلاقة التي تساعد الأب على تمضية وقت ممتع مع أطفاله.

1-      سردُ القصص: أكثر ما يحب الأطفال هو القصص. وسرد قصة لهم يُعتبر إسهاماً جيِّداً من طرف الأب في حياة الأطفال. لذا، يجب عليه أن يتعلّم إجادة سرد القصص ليمتع أطفاله، وليستمتع هو أيضاً عندما يراهم سُعداء وهم يصغون إليه.

2-       القيام برحلات مشتركة: في فَصْلَي الربيع والصيف، يحب الأطفال قضاء بعض الوقت مع الأب خارج المنزل. على الأب أن يعمَد إلى وضع برنامج خاص بالرحلات القصيرة في الهواء الطلق من حين إلى آخر، يصطحب أفراد عائلته معه ويقضي وقته في اللعب والمرح وتناول الطعام معهم.

3-       أخذ إجازة: مع أنّ من الممتع أن يقضي الأب إجازته في اللعب مع أطفاله في الحديقة أو في الملعب، إلّا أنّه من النادر ما أن تمضي العائلة الإجازة الصيفية معاً. على الأب أن يعرف كيف يضع الخطط الفعّالة والإيجابية ليقضي صيفاً ممتعاً وإجازة حقيقية مع أطفاله.

4-       إغلاق جهاز التلفزيون: لقد أصبح جهاز التلفزيون مهمّاً في حياة بعض الأسر إلى حدٍّ مُخيف. إنّ مشاهدة العائلة مجتمعة حول برامج التلفزيون، تُعتبر أمراً ممتعاً وأحياناً تثقيفياً، إلّا أنّها لا تُفسح المجال أمام العائلة لقضاء الوقت في الحديث والتواصل معاً. لذا، يجب إغلاق التلفزيون من وقت إلى آخر والتركيز على العائلة.

5-       قضاء الأمسيات معاً: يجب تخصيص يوم واحد، على الأقل، في الأسبوع يقضي فيه جميع أفراد العائلة المساء معاً، يتحدثون ويتبادلون الآراء ويتناولون الطعام معاً. فمثل هذا الوقت يُعتبر تجربة جيِّدة ومفيدة للأطفال.

6-       الاهتمام بالبيئة: من أهم الأنشطة التي يمكن أن يمارسها الأب مع أطفاله، قضاء بعض الوقت في الاهتمام بالشجر والزرع. لذا يجب ألا يُولي الأب أهمية كبرى لنظافة يديه وأيدي أطفاله، بل عليه الانطلاق واكتشاف عالم الزراعة والتشجير، وإيجاد الوسائل لإشراك أطفاله في هذا النشاط الممتع والمنتِج.

7-       تناول الطعام معاً: تبذل بعض الأُسر الكثير من الجهد في هذه الأيام لتتفاعل وتتواصل معاً. من الحلول المثلى لقضاء الأب وأُسرته المزيد من الوقت معاً، تناول الطعام معاً كأُسرة واحدة. لذا، يفترض بالأب أن يبذل قصارى جهده ليلتزم ببرنامج العائلة الخاص بأوقات الوجبة الرئيسية في أسوأ الأحوال.

8-       مساعدة الطفل على أداء واجبه المدرسي: لذا، على الأب أن يخصص بعض الوقت لمساعدة طفله البالغ على دراسته ومناقشته في المشاكل التي يواجهها في المدرسة، والتباحث معاً حول الموضوعات الدراسية كافة التي تهم الطفل، ومحاولة التوصل إلى الحلول المناسبة.

9-       الاستمتاع بالطقس البارد: حتى في فصل الشتاء البارد، يستطيع الأب القيام بالعديد من الأنشطة مع طفله البالغ. عليه أن يبتكر بعض الألعاب التي يمكن القيام بها خارج المنزل أو داخله.

10-  اكتشاف الأماكن معاً: يستطيع الأب اصطحاب ابنه البالغ معه في السيارة والقيام بجولة استكشافية. فوجودهما معاً في السيارة، يفسح المجال أمامهما ليتحدثا في كلّ الموضوعات. مثل: ذكريات الطفولة، الاحتفال بأوّل عيد ميلاد للطفل، اليوم الأوّل في المدرسة.. إلخ، إضافة إلى مشاكله الآنية. كما يفسح المجال أمام ليُحدّث طفله البالغ عن تجاربه في الحياة.

 

-            ما يرغب البالغ في أن يعرفه أبوه عنه:

يُراقب الأب طفله وهو ينمو ويكبر، ويلاحظ تحوّله من طفل صغير إلى شاب فريد بفرح واعتزاز. لكن، على الأب ألا يكتفي بالمراقبة، إذ إنّ هناك الكثير من الأفكار والهموم والمشاعر والعواطف، التي يرغب الطفل في الإفصاح عنها الأب. على الأب أن يُصغي جيِّداً إلى طفله البالغ، وأن يحاول تفهُّم وجهة نظره، وأن لا يحتَد ويغضب عند سماع آراء مثل:

1-      "لم أعد طفلاً": أكثر ما يرغب فيه البالغ، هو أن ينال احترام والديه وتقديرهما له كشاب ناضج. لذا، فإنّه يشعر بالإهانة إذا استمر التعامل معه على أنّه لا يزال طفلاً. على الأب أن يُدرك أنّ البلوغ يحصل على مراحل مختلفة. لذا، من المهم أن يبني ردود فعله على ما يتناسب مع مستوى تطور بلوغ طفله. ففي مراحل البلوغ الأولى، على الأب أن يحاول تفهّم وضع طفله، وأن يتعامل معه على هذا الأساس، لا على أساس أنّه أصبح شاباً ناضجاً.

2-      "أنا خائف من مرحلة البلوغ": سواء أشاء الأب أم أبّى، فإنّ ولده يحب أن يُعامل على أنّه ناضج، خاصّة أنّه يكون مرتبكاً من التغيُّرات التي تحصل له، وخائفاً من المسؤوليات التي تُوشك على أن تلقى على كاهله. على الأب أن يدرك أنّه، على الرغم من تظاهر البالغ بالشجاعة، لكنّه يمكن أن يضعف في أي وقت من الأوقات، خوفاً من المجهول. إنّ الأب الذي يستطيع أن يمزج بين القليل من الاحترام لطفله والقليل من التعاطف مع وضعه، يمكن أن يكون مصدر دعم عظيماً لولده البالغ.

3-      "أصدقائي هم الأهم": إنّ جزءاً من عملية التحوّل التي تطرأ في حياة الولد البالغ، هو الانتقال من مرحلة الاعتماد كلياً على الأهل إلى مرحلة الاستقلال عنهم. إنّها عملية تحتاج إلى دعم من الأب، والشعور بالاعتزال حيال بلوغ ولده. ففي نهاية الأمر، يرغب الأب في أن يصبح ولده مستقلاً وأن يتحمّل مسؤولية نفسه. وتتضمن عملية التحوّل ابتعاد الولد تدريجياً عن الأهل، واقترابه أكثر من أشخاص آخرين، بمن فيهم الأصدقاء. وهذا أمر طبيعي يجب احترامه وتقديره. لذا، على الأب أن لا يقلق أو يشعر بالأذى عندما يبدأ ولده البالغ، في تفضيله الخروج مع أصحابه على الجلوس في المنزل واللعب معه.

4-      "أشك في أشياء كثيرة لم أكن أتخيلها": إنّ التفكير في الذات والتركيز عليها، هو جزء من عملية النضوج. قد يبدأ الولد البالغ، الذي كان مُطيعاً في السابق، في التشكيك في لزوم تنفيذ الأوامر والالتزام بالقوانين. وقد يُشكك في قرارات والده، وفي المعتقدات والقيم الأساسية التي يؤمن بها الأهل. وعملية التشكيك هذه طبيعية وصحّية. لذا، على الأب أن يحاول أن يكون موجوداً دائماً لمساعدة ولده على إيجاد أجوبة صحيحة لتساؤلاته كلّما كان ذلك ممكناً.

5-      "إنّ هُرموناتي تُسبّب لي إزعاجاً": من الملاحَظ، أنّه عندما يبلغ الولد سن المراهقة، يصبح سريع الغضب ويميل إلى رفع صوته كثيراً، خاصّة عندما يكون واقعاً تحت ضغط شديد. وقد يبدأ في الشعور بعدم الراحة نحو الأصدقاء من الجنس الآخر، حتى لو كانوا أصدقاء منذ زمن طويل. وقد يرغب في تعليق صور أشخاص يحبّهم، مثل: ممثل، مغنٍّ، لاعب كرة، بطل سباق من أي نوع.. إلخ، على جدران غرفته أو حتى جدران غرف أخرى في المنزل، الأمر الذي قد لا يُعجب الأب ولا يوافق عليه. في الأغلب، يشعُر الطفل بأنّه لا يعرف السبب الذي يدفعه إلى مثل هذا التصرف. في الحقيقة، إنّ تغيُّر الهرمونات، هو الذي يسبب مثل هذه التصرُّفات، ولكن يجب أن لا يسمح الأب في جميع الأحوال لولده البالغ بأن يتخذ هذه الحجة مبرراً لتصرُّفاته. عليه أن يُفهمه أنّه على الرغم من صعوبة المرحلة، إلّا أنّه في استطاعته السيطرة على نفسه.

6-      "أكره مظهري": مع مرور الوقت، يصبح في إمكان الأهل إدراك الخطر الذي يُحيط بولدهم البالغ، بمجرد النظر إلى هيئته أو مظهره. فإذا حافظ الأب على التواصل والتفاعل مع ولده البالغ، لا يعود في حاجة إلى الاعتماد على المظهر فقط، ليُدرك أنّ ولده واقع في مشكلة. إنّ بقاء خطوط الاتصال مفتوحة دائماً بين الأب وولده البالغ، يساعد على إدراك الولد ما الذي يزعج الأهل فيتجنّبه، كما يُمكّن الطفل من التحدث عن مشاكله بصراحة.

7-      "أحياناً احتاج إلى أن أُتْرَك لوحدي": يميل الأولاد البالغون إلى التراجع قليلاً أثناء محاولاتهم فهم العامل المحيط بهم. قد يُكثرون من الحديث مع أصدقائهم، إلّا أنّهم يذهبون إلى غرفهم مباشرة بمجرد دخولهم المنزل. وهذا التصرُّف يُعتبر طبيعياً أيضاً، ويجب أن لا يُقلق الأهل. ولكن على الأب أن يقلق إذا أصبح هذا التصرُّف قاعدة بلا استثناء.

8-      "أريدك أن تصغي إليّ أحياناً": يميل الأب دائماً إلى لعب دور حلّال المشاكل ويقفز حالاً إلى تقديم النصائج. يجب عليه أن يقاسم هذا الدور المغري وأن يحاول من وقت إلى آخر، أن يصغي فقط إلى ولده البالغ. أحياناً كثيرة، تفسح النقاشات التي تدور بين الأب وولده في المجال أمام الولد لإدارة النقاش على طريقته هو، بينما يصغي إليه الوالد. على الأب أن يعطي ولده فرصة كهذه ليتعلّم كيف يتعامل مع القضايا والمشاكل بطريقة منطقية ومعقولة، من دون تدخّل من طرفه.

9-      "أريدك أن تكون ثابتاً على مبدئك": مع أنّ الولد البالغ يثور في الغالب ضد سلطة الأب، لكنّه يتوقع دائماً أن يلتزم والده بمبدأ واحد ويتمسك به، فهو بذلك يُريح الولد أكثر ويُمكّنه من التنبؤ بما يتوجب عليه فعله. على الأب ألا يُغيّر القوانين باستمرار، مثل قانون العودة إلى المنزل، بل عليه أن يثبت على مبدأ واحد. لأنّ الثبات يعطي الولد شيئاً يستند إليه.

10-                        "التزم بكلامك": يُصاب الولد بالإحباط عندما يرى الأب يقول شيئاً ويأتي بعكسه. على الأب الحفاظ على التزاماته وتعهّداته، وإلّا قد يتعلّم الولد عدم الالتزام بأي وعد يأخذه على نفسه. فإذا وضع الأب قوانين تتعلق بمشاهدة التلفزيون أو ألعاب الفيديو مثلاً، يجب أن يلتزم هو أيضاً بها. على الأب أن يكون المثال الجيِّد لولده البالغ ويلتزم بكلامه، لأنّه بذلك يحصل على احترامه.

 

-            علّم طفلك البالغ كيف يدير أمواله:

يفتح المال أمام الناس، سواء أكانوا صغاراً أم كباراً، آفاقاً واسعة ويساعدهم على اتخاذ القرارات. لذا، يجب تثقيف الأطفال وتحفيزهم ومنحهم القوّة ليصبحوا مدَّخرين ومستثمرين جيِّدين. وهذا بدوره يمكنهم من ادّخار الكثير من المال الذي يكسبونه، ومن فعل الكثير بالمال الذي ينفقونه. إنّ القرارات التي يتخذها الطفل يومياً في طريقة إنفاق ماله، لها تأثير سلبي في مستقبله المالي، أكثر من أي قرارات مالية استثمارية أخرى، يمكن أن يتخذها على الإطلاق. إليك أيها الأب بعض الآراء التي يمكن أن تساعدك على تثقيف طفلك وتعليمه كيفيّة تدبير شؤونه المالية الخاصّة:

1-      حالما يصبح في إمكان الطفل العدّ يجب أن يتعرّف إلى المال: عليك انتهاز هذه الفرصة لتزويده بالمعلومات اللازمة والضرورية. إنّ المراقبة أو المشاهَدة والتكرار، هما طريقتان مهمتان ليتعلّم الطفل عبرهما قيمة المال وطريقة ادّخاره وإنفاقه.

2-      يجب على الأب أن يتحدّث مع طفله عندما يكبر عن قيمة المال، كيف يدّخره، كيف يعمل على زيادته، والأهم كيف يُنفقه بذكاء.

3-      تعليم الطفل الفرق بين الاحتياج والفاقة والرغبة. فعندما يعرف الطفل الفروق، يستطيع الإنفاق بذكاء.

4-      إنّ وضع هدف للإنفاق والادّخار يُعلّم الطفل قيمة المال، إذ نادراً ما يحقق الأشخاص، سواء أكانوا صغاراً أم كباراً، أهدافاً لم يخططوا لها. تقريباً، كلّ ما يمكن أن يشتريه الأب لطفله، يمكن أن يكون درساً جيِّداً يتعلم منه الطفل كيف ينفق ماله، ما يساعده على تحمّل مسؤولية نفسه.

5-      يجب على الأب أن يُعرّف طفله البالغ قيمة الادّخار مقابل الإنفاق، وأن يُبيّن له أن في إمكانه أن يجني المزيد من المال عن طريق الادّخار. وهنا يستطيع الأب إعطاء طفله فائدة على المال الذي يدّخره في المنزل، ويطلب منه عَدّ ماله بين فترة وأخرى ليُلاحظ الزيادة التي طرأت عليه.

في المحصّلة، لا يوجد ما هو أكثر إحباطاً في الحياة من سنوات المراهقة. فالمراهق يختبر مشاعر جديدة، وتغيرات جديدة، كما يختبر التحوّل من مرحلة الاعتماد المريحة على الأهل، إلى مرحلة الاستقلال المجهولة. فإذا استطاع الأب تذكّر القليل والبسيط مما مَرّ به في تلك المرحلة، وتعامل مع طفله على هذا الأساس، يمكن أن يكون المساعد الحقيقي والواقعي لولده، أثناء انتقاله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة.

ارسال التعليق

Top